07/05/2023 - 12:11

حوار مع سحر فرنسيس | اغتيال خضر عدنان هدفه كسر الإضرابات الفردية

فرنسيس: "تصعيد جديد يهدف إلى كسر الإضرابات الفردية، وهم يعتقدون أنه مثلما، كان إضراب خضر عدنان رافعة لهذه الإضرابات فإن فشله أو إفشاله وتركه يموت وهي عملية اغتيال، سيجعل أي أسير يفكر مليون مرة قبل خوض هكذا إضراب".

حوار مع سحر فرنسيس | اغتيال خضر عدنان هدفه كسر الإضرابات الفردية

(Gettyimages)

رغم أنه لم يكن أول من خاض إضرابا فرديا عن الطعام، إلا أن الأسير الشهيد خضر عدنان اعتبر عراب هذه الإضرابات واستحق لقب "مفجر معركة الأمعاء الخاوية"، بعد أن خاض أول إضراب في 12 كانون ثاني/ يناير 2012، الذي استمر لمدة 66 يومًا، وانتهى بالإفراج عنه في نيسان/ أبريل 2012، وقبل أن ينتهي إضرابه الأول حذا حذوه الأسيران ثائر حلاحلة وبلال ذياب، اللذان شرعا في إضراب عن الطعام يوم 28 شباط/ فبراير 2012 استمر 76 يوما وانتهى بتحديد مدة اعتقالهما.

في الفترة ذاتها أيضا خاضت الأسيرة، هناء الشلبي، إضرابا مفتوحا عن الطعام استمر 44 يوما، وانتهى بموافقتها على إبعادها إلى قطاع غزة في الأول من نيسان/ أبريل 2012، ليبدأ الأسير سامر العيساوي في آب/ أغسطس من العام ذاته بأطول إضراب فردي عن الطعام احتجاجا على اعتقاله الإداري، استمر 265 يوما وانتهى بالإفراج عنه في نيسان/ أبريل 2013.

وفي نفس الفترة أيضا بدأ الأسير أيمن الشراونة إضرابه عن الطعام، الذي استمر من الأول من آب/ أغسطس 2012 وحتى 17 نيسان/ أبريل 2013، حيث جرى إبعاده إلى قطاع غزة بعد التوصُّل لصفقة مع السلطات الإسرائيلية، وفي 28 نيسان/ أبريل 2013 شرع الأسير أيمن حمدان في إضراب مفتوح استمر 130 يوما، وانتهى في الرابع من أيلول/ سبتمبر بتحديد موعد الإفراج عنه، تلاه الأسير عادل حريبات الذي استمر إضرابه 129 يوما والأسير أيمن طبيش الذي امتد إضرابه لمدة 104 أيام.

الإضراب الثاني الذي خاضه خضر عدنان والذي ابتدأ في 28 شباط/ فبراير 2014 استمر 123 يوما وانتهى باتفاق يحدد سقفا زمنيا لاعتقاله، انفجرت بعده أيضا موجة جديدة من الإضرابات الفردية أبرزها إضراب الأسير أكرم فسيسي الذي استمر لـ70 يوما وإضراب الأسير محمد علان الذي استمر 65 يوما، وإضراب الأسير الصحافي محمد القيق الذي استمر 94 يوما والأسير بلال كايد الذي خاض إضرابا لمدة 71 يوما.

وخلال إضرابيه الأخريين اللذين خاضهما الشهيد خضر عدنان في عامي 2018 و2021 تواصلت الإضرابات الفردية، حيث شهدت السجون الإضرابات الشهيرة لماهر الاخرس الذي استمر اضرابه لـ103 أيام وكايد الفسفوس الذي استمر إضرابه لـ131 يوما، عام 2020، وهشام أبو هواش الذي أضرب لمدة 141 يوما عام 2022.

وبهذا الصدد، حاور "عرب 48" مديرة مؤسسة "الضمير" لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، المحامية سحر فرنسيس، حول الإضرابات الفردية التي رسخها الشهيد خضر عدنان كأسلوب نضال لمواجهة الاعتقال الإداري، أساسا، وما يمثله اغتياله من محاولة لقتلها، وعن ظروف استشهاد عدنان المغلف بالإهمال الطبي المتعمد.

"عرب 48": الإضرابات الفردية عن الطعام كأسلوب نضال، جاءت في ظل حالة الجزر الوطني وتراجع الإضرابات الجماعية للحركة الأسيرة وترافقت مع "بطولات فردية" أخرى حدثت وما زالت أخرى خارج السجون، يعمل الاحتلال على كسرها يوميا وتدخل عملية اغتيال خضر عدنان في نطاقها؟

المحامية سحر فرنسيس

فرنسيس: من الجدير التذكير أن أول إضراب فردي خاضته الأسيرة عطاف عليان عام 1998 لمدة 45 يوما ضد اعتقالها الإداري وانتهى بالإفراج عنها، ثم جاء الشهيد عدنان خضر عام 2012 وبدأ فعلا موجة جديدة من الإضرابات الفردية، حيث تلاه الأسيران ثائر حلاحلة وبلال ذياب ثم الأسيرة هناء شلبي وبعدها توالت الإضرابات الفردية.

الإضراب الأول الذي خاضه الشهيد عدنان عام 2012 انتهى بإطلاق سراحه، لكن للأسف أعيد اعتقاله عدة مرات إداريا وكان يخوض خلالها تجربة الإضراب، وما حصل أن فترة الإضرابات صارت تطول ولم يعودوا يتعاطوا معها في مصلحة السجون والمخابرات بنفس الطريقة، حتى أن الشهيد عدنان نفسه صاروا عندما يريدون إطلاق سراحه، لا يجري تحريره بشكل فوري بل يعدونه بأن لا يتم تجديد أمر الاعتقال الإداري ضده، فيوقف الإضراب مقابل أن يقضي ستة شهور فقط في السجن.

أما هذه المرة عندما اعتقل في الخامس من شباط/ فبراير، كانوا مدركين مباشرة، لأنه كان في كل مرة يقوموا باعتقاله يعلن الإضراب بشكل فوري ولذلك قرروا تقديم لائحة اتهام ضده، ومن السخيف أن اللائحة التي تضمنت بندين فقط هما الانتماء لتنظيم محظور هو "الجهاد الإسلامي" والقيام بفعاليات باسمه على غرار زيارة واستقبال وتكريم أسرى محررين، والبند الثاني هو التحريض، إذ جرى اعتبار مشاركته في أحداث ومظاهرات تضامن مع الأسرى وإلقاء كلمات في مهرجانات وكتابة مناشير على "فيسبوك" تحريضا.

"عرب 48": هذا يعني أن "التهم" التي لم يستطيعوا تسويغها كتهم، ولذلك اعتقلوه بسببها إداريا، "سوغوها" هذه المرة كتهم وقدموا على أساسها لائحة اتهام؟

فرنسيس: صحيح، وأعتقد أنهم كانوا يطرحوا في النقاش مع محاميه حكما عاليا يشمل عدة سنوات، وطبعا المحاكم العسكرية بمجرد تقديم لائحة اتهام تتضمن عضوية في تنظيم محظور تعطي حكما بالاعتقال حتى انتهاء الإجراءات القانونية.

الشهيد عدنان، من جهته، أعلن مباشرة هذه المرة أيضا الإضراب عن الطعام، وكانت حربه ضد هذا التعسف المتمثل بتقديم لائحة اتهام تتضمن تهما هي ليست تهما، مبنية على معلومات قديمة من أعوام 2018- 2019، وهي حتى لو استندت إلى معلومات حديثة، كما كان يقول، فإنها "لا تستدعي اعتقالي حتى انتهاء الإجراءات القانونية ولذلك أنا أخوض الإضراب عن الطعام لإطلاق سراحي".

"عرب 48": ولكن يبدو أن مسألة رفض نقله إلى مستشفى مدني هذه المرة كانت حاسمة في استشهاده، وحولتها إلى عملية اغتيال بكل معنى الكلمة؟

فرنسيس: عندما أصبح خطورة على حياته ومحاميه قدم طلبات لإطلاق سراحه، المحكمة العسكرية رفضت، كما رفضت أيضا الاستئنافات على قرار المحكمة ذاك، حتى أنه في الجلسة الأخيرة المحكمة لم تصدر قرارها بشكل فوري وأرجأت إصدار القرار إلى العاشر من أيار/ مايو، وذلك على الرغم من معرفتها بوضعه الصحي الخطير.

من ناحية ثانية جرى رفض طلبات "أطباء لحقوق الانسان" بنقله إلى مستشفى مدني وأصروا على نقله إلى مستشفى سجن الرملة، الذي هو ليس أكثر من عيادة، ومن خلال زياراتنا له كمؤسسة عدة مرات كنا نعرف أنه أصيب في الآونة الأخيرة بحالة إغماء، وهي ليست الأولى، لذلك ركزت "أطباء لحقوق الانسان" في الالتماس الذي قدمته قبل أسبوع من استشهاده بأن يتم نقله إلى مستشفى مدني إلا أن المحكمة رفضت بحجة رفضه للعلاج.

"عرب 48": برغم وضعه الصحي وطول مدة الإضراب وما قد يشكله ذلك من خطر على حياته أصروا على عدم نقله للمستشفى، ولا يوجد تفسير لذلك سوى وجود نية مبيتة لقتله؟

فرنسيس: هذا ما تسبب في قتله في النهاية، إنها عملية قتل، فهم مدركون لدرجة الخطورة التي كان موجودا فيها، وحاجته إلى رقابة حثيثة، بمعنى إشراف وتفقد في حال كان يتنفس أم لا كل خمس دقائق.

إنهم لم يمنعوا عنه هذه الرقابة والإشراف المذكور فقط، بل منعوا عنه، أيضا، التدخل الطبي في الوقت المناسب لإنقاذ حياته وهذه نقطة مهمة جدا، رغم أنه كان قد صرح بأنه لا يعارض مثل هذا التدخل إذا اقتضت الحاجة، ناهيك عن أن القانون ينص على أنه طالما المريض لم يعرب عن رفضه لتلقي مثل هذا الدعم فالافتراض أنه موافق على الحصول عليه، كما أن لديهم "قانون التغذية القسرية"، و"قانون حقوق المريض" من سنة 1996 والذي يعطي الصلاحية لإنقاذ حياة مريض دون موافقته، ومع ذلك لم يحترموا كل هذه القواعد وتركوه فريسة للموت.

"عرب 48": هم يتذرعوا برفضه إجراء الفحوصات كشرط لنقله للمستشفى؟

فرنسيس: من الواضح أنهم استخدموا ذلك كحجة لعدم نقله وتركه يموت، وبالرغم من أن الشهيد خضر بعكس معتقلين آخرين كان يصر على استخدام النموذج الإيرلندي في الإضراب عن الطعام والذي يقتصر على شرب المياه فقط دون الحصول على أي مدعمات، لكنه لم يعرب عن رفضه للحصول على مساعدة طبية لإنقاذ حياته في حال الخطر بل أعلن صراحة أنه مستعد للحصول عليها.

ثم أنهم منعوا عنه زيارة الأهل رغم أنه كان يصر على رغبته برؤية زوجته وأطفاله، أقل ما يمكن كانوا يستطيعون السماح لأهله بزيارته.

"عرب 48": برأيك هذا مؤشر على سياسة جديدة وتصعيد جديد ضد الأسرى؟

فرنسيس: برأيي هو تصعيد جديد يهدف إلى كسر الإضرابات الفردية، وهم يعتقدون أنه مثلما، كان إضراب خضر عدنان رافعة لهذه الإضرابات فإن فشله أو إفشاله وتركه يموت وهي عملية اغتيال، سيجعل أي أسير يفكر مليون مرة قبل خوض هكذا إضراب في المستقبل وسيوجه ضربة قاصمة لهذه الإضرابات.

"عرب 48": بالانتقال إلى سياسة الاعتقال الإداري التي شكلت سببا أساسيا لهذه الإضرابات، والتي تستخدمها السلطات الإسرائيلية كإجراء عقابي جارف، هل هي تعسفية بقدر يستوجب هذه التضحيات؟

فرنسيس: الاعتقال الإداري مبني على أنظمة الطوارئ الانتدابية لكن إسرائيل شرعته في سجل قوانينها عام 1979 بواسطة قانون الاعتقالات الإدارية، ولكن في الضفة الغربية بوشر باستخدام هذه الأنظمة ضد أبناء شعبنا بعد الاحتلال مباشرة، حيث عملوا أمر عسكري يتعلق بصلاحية القائد العسكري للأرض المحتلة يخوله بإصدار أوامر اعتقال إداري.

الاعتقال مبني على ملف سري يفتقر إلى أدلة واضحة يقدم للقاضي ويمنع من المحامي وموكله من الاطلاع عليه، وبناء عليه يقوم القاضي بعملية المراجعة القضائية خلال الأيام الثماني الأولى من إصدار الأمر ويصدر قراره بتثبيته أو تقصير مدته أو إلغائه وفي الغالبية الساحقة من الحالات يقوم بتثبيته.

"عرب 48": الحديث يدور عن إجراء قضائي شكلي لا يمس بالسلطة المطلقة لـ"الشاباك" الذي يحيك الملف السري؟

فرنسيس: صحيح، وهذا يبرر لماذا خاض المعتقلون النضالات والإضرابات الجماعية والفردية الطويلة ضد هذا الاعتقال على مدى عمر الاحتلال، وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل استخدمت الاعتقال الإداري على نطاق واسع خلال الانتفاضة الأولى وفي مرحلة أوسلو المبكرة، وأن الرقم الأعلى سجل خلال الانتفاضة الأولى حيث وصل إلى آلاف المعتقلين.

سلطات الاحتلال تلجأ لهذا الأسلوب لأنه سهل فهي تأخذ الملف السري وتصدر على أساسه أمر الاعتقال الإداري وتلقي الشخص في السجن، إلى أن يقرر القائد العسكري وقف هذا الأمر، وهي تستطيع تجديد الأمر لأكثر من مرة بناء على نفس المواد ونفس الملف، وهناك أسرى أمضوا سنوات طويلة في الاعتقال الإداري حيث كان يتم تجديده أوتوماتيكيا، ونذكر أن أطول فترة اعتقال إداري أمضاها الأسير المرحوم علي الجمال ودامت ثماني سنوات يليه أسامة برهم وأحمد قطامش اللذان أمضيا ست سنوات لكل منهما.

كما أن سلطات الاحتلال بإمكانها بهذه الطريقة زج المئات وربما الآلاف من المناضلين والناشطين في السجون، دون حاجة لتهم وأدلة وإدانات وجلسات محاكم مطولة، وهذا ما فعلته في الانتفاضة الأولى والثانية وفي فترة أوسلو.

"عرب 48": في مرحلة معينة تآكلت هذه السياسة وانخفض عدد المعتقلين الإداريين بشكل ملحوظ، لماذا عاود الارتفاع؟

فرنسيس: في تلك المرحلة نجحت الحملة الدولية التي نظمت ضد الاعتقال الإداري، بصفته إجراء تعسفيا لا يراعي أبسط حقوق الإنسان، وشاركت بها شخصيات ومؤسسات حقوقية إسرائيلية في خفض عدد المعتقلين الإداريين بشكل ملحوظ، حتى أنه هبط عشية الانتفاضة الثانية إلى 40 معتقلا فقط.

لكن للأسف العدد ارتفع بشكل خيالي في الانتفاضة الثانية وخلال اجتياح المدن الفلسطينية في 2002 ضمن عملية ما يسمى "السور الواقي"، التي اعتقل الاحتلال خلالها 12 ألف فلسطيني خلال شهر ونصف بينهم 2500 معتقل إداري، حتى أن قسما منهم نسوا أن يحضروهم إلى المحكمة للقيام بالإجراءات المتبعة، على الرغم من قيامهم بتعديل الأمر العسكري ومددوا الفترة التي يستوجب إحضار المعتقل خلالها إلى المحكمة من 8 أيام إلى 18 يوما.

العدد استقر في أواخر 2002 على 1500 معتقل ثم أخذ بالهبوط التدريجي ليراوح المئات، وذلك قبل أن يسجل قفزة بعد هبة الكرامة عام 2021 حيث يوجد اليوم في سجون الاحتلال ما يناهز الألف معتقل إداريا.

ومن الجدير ذكره أنه ابتداء من عام 2015 بدأوا باستخدام الاعتقال الإداري ضد الأطفال في القدس واليوم هناك ستة أطفال بين المعتقلين الإداريين، كما عاودوا مؤخرا استخدام هذا الاعتقال ضد ناشطين في مناطق الـ48 أيضا.

ومن المضحك المبكي عندما قاطع المعتقلين الإداريين المحاكم لمدة ثمانية أشهر احتجاجا على شكلية الإجراء القضائي، واصلت الأخيرة إجراء جلسات المراجعة بدون حضور المعتقلين ومحاميهم.

التعليقات